العلاقات التجارية بين الدول الاسلامية ودول الخزر وروسيا
المقدمة :
سوف يتناول هذا البحث جانب مهم من العلاقات بين الشرق الاسلامى والغرب وهى العلاقات التجارية بين الدول الاسلامية ودولة الخزر وروسيا خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين . ونحدث فى البداية عن علاقة الدولة العباسية ببلاد الخزر ثم نتناول جهود الدولة العباسية لتنشيط حركة التجارة ، واهم المركز التجارية فى الدولة الاسلامية . ثم نتناول بشئ من التفصيل اصل الخزر ، واهم المراكزالتجارية فيها . والحديث عن اهم الطرق التجارية التى تربط الدول الاسلامية بشمال اوربا ، وننتقل للحديث عن التبادل التجارى بين العرب والخزر واهم الواردات والصادرات لكل منهما ، واسلوب التعامل فيما بينهم . ثم الحديث عن علاقة الدول الاسلامية مع روسيا وغيرها من دول شمال اوربا .
وقد تناولت العديد من المصادر الحديث عن التجارة فى الدول الاسلامية . ودول شمال اوربا ومنها الخزر وروسيا ومن هذه المصادر ابن حوقل " صورة الارض " وياقوت الحموى " معجم البلدان " والقزوينى " اثار البلاد واخبار العباد " ابن فضلان " رسالة ابن فضلان " وابن رسته " كتاب الاعلاق النفيسة " والمسعودى " مروج الذهب " وغيرهم .
علاقة الدوله العباسية ببلاد الخزر :
اتجهت سياسة الخلافة العباسية الى منطقة الحدود بينها وبين بلاد الخزر، فلم يكتفى المنصور بتحصين الحدود البيزنطية بل اهتم بحدوده المواجهة للخزر ( وهم على شمال غرب بحر قزوين ) فبنى مدينة (كمخ والمحمدية ومدينة باب واق ) وجعلها ردء للمسلمين وانزلها المقاتله وذلك بعد تحرش الخزر واعتدائهم على اراضى المسلمين (1)، فى محاولة لتجنب هجمات الخزر من ناحية ، وجذبهم الى الاسلام من ناحية اخرى ،وإقامة علاقات بينهم وذلك عن طريق المصاهرات ، والعلاقات الثقافية والعلمية
والاتجارية التى ربطت بين الجانبين ، ففى السنوات الاولى من خلافة المنصور ولى يزيد بن اسيد السلمى ولاية ارمينية ، ولما وصل اليها ، كتب له الخليفة المنصور _ حرصا على تأمين حدوده مع الخزر _ يدعوه الى مصاهرة ملك الخزر حتى تستقيم له البلاد .كما ارتبطت الخلافة بمصاهرة اخرى مع ملك الخزر فى عهد هارون الرشيد حيث تزوج فضل بن يحيى االبرمكى بابنة خاقان الخزر، مما يظهر مدى حرص الخلافة على استمرار علاقات المودة والصداقة مع الخزر .(2)
وتعتبر بعثة الترجمان وزيارته لبلاد الخزر من اجل معاينة سد يأجوج ومأجوج من الدلائل على الصلات القوية التى ربطت الخلافة العباسية بالخزر فى عهد الواثق ايضا . (3)
جهود الدولة العباسية لتنشيط حركة التجارة :
اتسعت رقعة الدولة العباسية الى ان شملت ارضا واسعة ومناطق غنية بالمعادن والصناعات النسيجية والمحاصيل الزراعية الامر الذى ادى الى ازدهار التجارة الداخلية والخارجية لتبادل السلع فيما بينهم وبين مختلف المناطق . هذا بالاضاف الى ان موقع الدوله العباسية ، جعلها مركز تلاقى القوافل التجاريه القادمة من الشرق الى الغرب والعكس . فعبرها كانت البضائع تمر الى الاسواق التجارية العالمية فضلا عن البضائع التى تصدر منها او ترد اليها من مختلف انحاء العالم (4).وخاصتا حين أصبحت بغداد - عاصمة الدولة العباسية - مركزاً تجاريا هاما ومحطة رئيسية للتجار القادمين من أنحاء مختلفة من العالم . كانت بغداد تحتل موقعاً استراتيجياً على الضفة الغربية من نهر دجلة وتقع على مفترق الطرق البرية والبحرية التي تربط الدولة العباسية بالهند والصين في الشرق من ناحية ، وبلدان وسط آسيا وأوربا في الغرب من ناحية أخرى
هذا ما جعل الدولة العباسية تهتم بالتجارة وتسعى الى ازدهارها ، فمهدت لها الطرق ، وحفرت الآبار ، وبنت المحطات للاستراحة على امتداد طرق القوافل ، وأنشأت المنائر فى الثغور البحرية . ولم تهمل توفير الامن وحماية التجار ومتاجرهم بالضرب بشدة على ايدى العابثين وقطاع الطرق واللصوص ، وبنوا الاساطيل البحرية لحماية السواحل من قراصنة البحر . (5)
ولقد ادّى التجار العرب المسلمون دوراً كبيراً في تأمين السلع والمنتجات من ديار الإسلام ونقلها إلى الأسواق العالمية في آسيا وأوروبا وقد وصل نشاطهم إلى مناطق بعيدة مثل روسيا والدول الإسكندنافية في الشمال واستوردوا منها الفراء والرقيق والجلود وغيرها من السلع الثمينة . كما وصل نشاط التجار العرب المسلمون إلى كوريا واليابان في أقصى الشرق وكان التجار العرب المسلمون يحملون معهم منتجات العراق وفارس وغيرهم من البلدان الإسلامية والأوربية وكانوا يستبدلونها هناك بالمنتجات المحلية المتوفرة في أسواق هذه الجزر البعيدة .
اهم المراكز التجارية فى الدولة العباسية :
اسواق بغداد :
كانت بغداد ملتقى التجار فى العصر الساسانى واصبحت الان المركز العظيم للامبراطورية العباسية وجعلها موقعها الجغرافى السوق الطبيعى للتجارة الداخلية والخارجية . فنهرى دجلة والفرات يصلان بينهما وبين الطرق البحرية فى الجنوب وبينها وبين ارمينيا وبلاد الشام فى الشمال والغرب فى حين ان طريق بغداد – خرسان حولها الى مركز مهم لتجارة ايران واوسط اسيا وبدا ان القسم الغربى من المدينة كان اكثر تطورا من القسم الشرقى .(6)
ومن اشهر اسواقها :
الكرخ (7): هى السوق العظمى " فى بغداد ، وهى معدن التجارة . وعلى جانبى " باب الكرخ اسواق مهمة . وهناك اسواق واسعة لكل انواع التجارات فى محلة باب البصرة ، فضلا عن اسواق اخرى فى درب المعدل حيث كانت المراكب القادمة عبر الفرات تلقى حمولنها " " وكان لكل تجارة فى الكرخ شوارع معلومة ، وصفوف فى تلك الشوارع وحوانيت ، مفردون بتجارتهم " ومن اسوق الكرخ المتفرعه والمنفرده . سوق الاقمشة والطعام وغيرها .
محلة الحربية(8) : كانت مركز التجار الاجانب وفيها سوق باب الشام . ومن تجار هذا السوق اهل بلخ ، اهل مرو ، اهل بخارى ، اهل خوارزم . ولكل اهل بلد قائد ورئيس "
باب الطاق (9): هو الحى التجارى الرئيسى فى الجانب الشرقى من بغداد فى طرف الجسر المركزى ، يتفرع من ساحة هذا الجسر سوقان : سوق الاساكنة وسوق الطيب حيث تباع العطور والزهور . ووراء هذين السوقين تمتد سوق الطعام وفيها حوانيت للخبازين وللقصابين .
اسواق البصرة :
تمتعت البصرة بموقع جغرافى مناسب حيث كانت تلتقى الصحراء بالسهل الخصيب والبحر . كانت البصرة باب العراق ومحط التجارة الشرقية وملتقى القوافل الاتية من الصحراء . قال عنها الجاحظ فى مولفه البخلاء " يقال انه ليس فى الارض بلدة واسطة ولا بادية شاسعة " ولا طرف من الاطراف ، الا وانت واجد بها المدينى والبصرة والحيرى "
بلغت شهرة البصرة فى التجارة مبلغا كبيرا ووصفها الافغانى فى مؤلفه " اسواق العرب بانها فيه الاسلام كانت البضائع تحمل اليها من مختلف بلدان الشرق ولابد من الاشارة الى ان الجاحظ كان من اهل البصرة .
اسواق المربد(10)
شغل المربد مركز تجارة البصرة مع الصحراء . قام عند باب البصرة الغربى على طرف الصحراء كما ذكرها ياقوت الحموى فى معجم البلدان (11)
اسواق الابلة (12):
كانت الابلة مرفأالبصرة ومركزتجارتها . قامت على ضفاف نهر الابلة , حضنت عددا كبيرا من االاسواق والخانات . نهرها كان مرصوفا بالسفن بصورة مستمره .
اسواق الموصل :
كانت هذه المدينة مركزا مهما للتجارة . التقت فيها طرق التجارة من اذربيجان ومن بلاد الشام ومن ارمينيا ومن الجنوب العراق واعتبرها ياقوت الحموى فى معجم البلدان " باب العراق . ومفتاح خرسان وراس طريق اذربيجان ، كانت تمون العراق بالجنوب فى اوقات الشدة(13) قال عنها ابن حوقل فى مولفة المسالك والممالك " بعد ان زارها سنة 969م " اسواق واسعة ... بها كل جنس من الاسواق : الاثنان والاربعة والثلاثة مما يكون فى السوق المائة حانوت وزائد واثنى المقدسى على اسواقها التى كان اكثرها مسقوما . كما اثنى على فنادقها البديعه . زمن بين اسواق الموصل : سوق الطعام والغنم وكان يقام فى ساحة قلعتها الداخلية سوق فى ايام الاربعاء دعى بسوق الاربعاء كان الفلاحون يأتون اليه للتسوق او البيع منتجاتهم .
اسواق الكوفه(14) .تقع الكوفه على الطريق الوادى الخصيب قرب الصحراء . وجادها الحجاج للتزود او للراحة وهم فى طريق الحج . كانت ملتقى القوافل القادمة من الصحراء .
اسواق سمراء
بلغت هذه المدينة المستحدثة اوجها من الازدهار فى خلال القرن الثالث للهجرة عندما اصبحت عاصمة للدوله العباسية . كان تجارتها داخلية واسواقها لخدمة اهلها فقط قلت اهميتها فى القرن الرابع للهجرة .
نشأت بالاضافه الى هذه الاسواق " اسواق ظرفية " او مؤقتة كان الباعة فيها المزارعين او الحرفين الذين حملوا منتجاتهم لبيعها من الناس مباشرة . كما وجدت اسواق تعاطت بالبيع باجملة . ولابد من الاشارة الى ان الباعة المتجولين وجدوا هم ايضا طريقهم الى الاسواق لبيع ما حملوا ولشراء ما احتاجوا اليه .
ومن البلدان التي عني المسلمون بتطوير العلاقات التجارية معها وتقويتها بلاد الخزر التي تقع بين بحر قزوين والبحر الأسود .
أصل الخزر وموطنهم
جاء في معجم البلدان أن الخزر : جيلٌ خُزر العيون . وفي حديث حذيفة : كأني بهم خُنـس الأنُوف خُزْرُ العـيون . والخُزْرَة : انقلابُ الحدقة نحو اللّحـاظِ ، وهو أقبح الحَوَل (15)، ورجل خزريُّ وقوم خُزْر .
وجاء في كتاب " صورة الأرض " لأبن حوقل أن الخزر : اسـم الإقليم ، وقصبته تسمى اتل ، واتل اسم النهر الذي يجري إليهم من الروس وبلغار ويفيض في بحر الخزر ( بحر قزوين ) ، والبلد قطعتان : إحداهما من غربي النهر المسمى اتل وهي أكبرهما ، والأخرى من شرقيَّه ، والملك يسكن في الغربية وتسمى خزران ، والشرقية تُسمى اتل ويسمى الملك بلسانهم باك (16). وذكر ابن رسته في كتاب " الأعلاق النفيسة " أن " بلاد الخزر بلاد عريضة يتصل بإحدى جنباتها جبل عظيم(17) ، وهو الجبل الذي ينزل في أقصاه طولاس ولوغر ، ويمدُّ هذا الجبل إلى بلاد تفليس(18) . ولهم مـلك يقال له إيشا ، والملك الأعظم إنما هو خزر خاقان ، وليس له طاعة الخزر إلا الاسم ، ومقدار الأمر على إيشا إذا كان في القيادة والجيوش بالموضع الذي لا يبالي معه بأحد فوقه ، ورئيسـهم الأعظم على دين اليهودية ". أما ياقوت الحموي صاحب كتاب " معجم البلدان " فأنه يشير إلى أن بلاد الخزر هي بلاد الترك وتقع خلف باب الأبواب المعروف بالدربند قريب من سـد ذي القرنين وينسبهم إلى الخزر بن يافث بن نوح "(19) . وجاء في كتـاب " آثار البلاد وأخبار العباد " أن " الخزر : جيل عظيم من الترك ، بلادهم خلف باب الأبواب الذي يقال له الدربنـد ، وهم صنفان : صنـف بيـض أصحاب الجـمال الفائق ، وصنف سـمر يقال لهم قرا خزر " . (20)
وذكر محمد عبد الشافي المغربي في كتاب " مملكة الخزر اليهودية وعلاقتها بالبيزنطيين والمسلمين في العصور الوسطى " أن الخزر من الشعوب التي لا ترجع إلى أصل سامي ، نزحوا من أواسط آسيا وسكنوا الإقليم الواقع بين المجرى الأدنى لنهر الفولغا والمنحدرات الشمالية للقوقاز ، وتتسع ممتلكاتهم
حول الأراضي الواقعة حول بحر آزوف ، وزاد اتساعها أكثر من ذلك حتى
قاربت كييف وأواسط الدنيبر غربا في القرن التاسع الميلادي . وقال عنهم البستاني في " دائرة المعارف " : " الخزر : امة سكيثية من أوروبا الشرقية كانوا في القرن الخامس للميلاد قاطنين على ضفتي فولغا الأسفل عند بحر الخزر ثم تقدموا نحو الغرب وفتحوا بلاد الأفارة سنة 634 وهي روسيا الجنوبية إلى نهر دنيبر . وثبتت مملكتهم قرنين ….. . " . وفي " المـنجد في اللغة " الخزر شـعب من قبائل الأتراك . مدوا سيطرتهم على منطقة بحر قزوين والقرم والسهوب بين نهري الدون والدنيبر . قضى على نفوذهم سفياتوسلاف أمير كييف سنة 969م.
وتعرضت الموسوعة الإسلامية لأصل الخزر وتاريخهم في العصور الوسطى وذكرت أن : " الخزر مجموعة من القبائل ذات الأصول التركية . وقد ظهرت هذه القبائل في مسرح الأحداث منذ القرن السادس الميلادي بعد ان نزحت من وسط آسيا وكانوا حلفاء للبيزنطيين وحاربوا إلى جانبهم ضد الفرس
وعلى ضؤ ما سلف يمكن القول بأن الخزر مجموعة من الأقوام التركية التي تتحدث بلغة مشتقة من اللغة التركية . وقد ظهروا على مسرح الأحداث في منتصف القرن السادس وأسسوا لهم في القرن السابع الميلادي دولة مستقلة وذات نفوذ قوي في المنطقة الممتدة من بحر الخزر إلى البحر الأسود وسيطروا على الطريق التجاري الحيوي الذي يربط وسط آسيا بروسيا والدول الإسكندنافية .
ولما تأسست الدولة العباسية توطدت العلاقات السياسية والتجارية بين العرب المسلمين وبلاد الخزر . ويعد الخليفة الواثق بالله ( 227-232/841-846 ) أول خليفة عباسي يبعث بسفارة إلى خاقان ملك الخزر . ومما تجدر الإشارة إليه إجمالي عدد المسلمين الذين كانوا يعيشون في بلاد الخزر حيث وصل عددهم في مدينة آتل إلى أكثر من عشرة آلاف مسلم وكان يصل عدد المساجد فيها إلى حوالي ثلاثون مسجد . وكان هؤلاء المسلمون يعيشون في بلاد الخزر جنباً إلى جنب مع النصارى والوثنيين
وكان الخزر يفرضون مكوساً تبلغ حوالي 10% على السفن والقوافل التجارية الإسلامية المارة عبر بلادهم إلى خوارزم وإلى البلغار وبلاد الصقالبة والروس . وهذه الضرائب على التجارة شكلت مصدر دخل رئيسي لبلاد الخزر . وقد أشار الأصطخري إلى هذا الأمر وقال : " وأبواب مال هذا الملك من الأرصاد وعشور التجارات على رسوم لهم من كل وبحر ونهر ".
أهم مراكز التجارة في بلاد الخزر:
خمليج : (21)
تعد مدينة خمليج أهم مركز للتجارة الداخلية والخارجية في بلاد الخزر .. ويذكر ابن رُسـته أن بها خلق من المســلمين ، لهم مســاجد وأئمة ومـؤذنون وكتاتيب . وكانت ملتقى التجار الروس والتجار العرب المسلمين والبيزنطيين ، وكان التجار الروس يسـتخدمونها محطة رئيسية أثناء رحلاتهم البرية والبحرية إلى المشرق الإسلامي . وقد أكد ابن خرداذبه ذلك عندما تحدث عن مسالك التجار الروس بقوله : " وهم جنس من الصقالبة فأنهم يحملون جلود الخزّ وجلود الثعالب السود والسيوف من أقصى صقلية إلى البحر الرومي فيعشرهم صاحب الـروم ، وأن سـاروا في تنيــس نهر الصقـالبة مـرًّوا بخمليج مدينة الـخزر فيعشـرهم صاحبها … . "
آتـل (22)
تعد مدينة آتِل عاصمة بلاد الخزر وتقع بين البلغـار وخوارزم وتطل على الشـط الشـرقي لنهر آتل " الفولجا " الذي يصب في بحر الخزر . ويبلغ طولها نحو فرسخ ، ويقول ابن الوردى"وهى ثلاثة قطع يقسمها نهر عظيم يرد من اعالى البلاد التركية ويسمى نهر اثل يتشعب من هذا النهر نيف وسبعون نهرا "(23)
وهي تتمتع بموقع استراتيجي ولقد ساعد هذا الموقع بلاد الخزر على استيراد البضائع من المناطق المجاورة وإعادة توزيعها بـرأ وبحراً إلى أنحاء مختلفة من البـلدان المجاورة الإسلامية والبيزنطية .
ويشير اندريه ميكيل إلى نشاط التجار المسلمين في نقل ما يوصل إلى هذه المدينة إلى البلدان العبـاسية ويقول : ان الروس والتجار المسـلمين يقومون بالأدوار الأولى في هذه التجارة . ونتيجة لهذا النشاط المتزايد عينت السلطات في مدينة آتل وكيلاً للتجار المســلمين للنظر في قضاياهم وشـئونهم التجارية . ويؤكد ابن فضلان ذلك بقوله : " على المسلمين رجل من غلمان الملك يقال له خز ، وهو مسلم ، وأحكام المسـلمين المقيمين في بلد الخزر والمختلفين إليهم في التجارات مردودة إلى ذلك الغلام المسلم ، لا ينظر في أمورهم ولا يقضي بينهم غيره " . ولقد أسهم هذا النشاط التجاري في المدينة في جذب العديد من التجار المسلمين للإقامة في مدينة آتل والاشتغال في التجارة .
سمندر(24)
ومن المراكز التجارية الهامة في بلاد الخزر مدينة سـمندر التي تقع على شاطىء نهر آتل ( الفولغا ) وتجاور بلاد السـرير وكانت في السـابق عاصمة بلاد الخزر.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الاسم سمندر مشتق من اسم قبيلة أو مجموعة من الناس كانت تسكن المدينة . ومدينة سمندر كانت ملتقى القوافل القادمة من باب الأبواب ( دربند ) وبلاد السرير وتوجد بها أسواق ويأتيها التجار من كل مكان.
بلنجر
كانت مدينة بلنجر من المراكز التجارية المزدهرة في بلاد الخزر.
سقسين(25)
كانت مدينة سقسين أيضاً من المراكز التجارية الهامة في بلاد الخزر .
وكانت مدينة سقسين ملتقى القوافل القادمة من روسيا وأرمينية وجرجان
وبلاد الصقالبة. وتعد من الأسواق التجارية الهامة الرئيسية لبيع الجلود التي
تحمل إليها من بلاد الصقالبة . وكان التجار يفدون إليها من أنحاء مختلفة من العالم
الطرق التجارية
تعد الطرق التجارية البرية والبحرية في العصور الوسطى من أهم وسائل الاتصال بين قارات العالم الثلاث أوروبا وأفريقيا وآسيا. ولقد أسهمت الطرق التجارية البرية والبحرية في ازدياد الاتصال الحضاري بين المسلمين وشعوب بلاد القوقاز .
1- طريق التجار الروس والصقالبة : ويبدأ هذا الطريق من بلاد الصقالبة ويمر على خمليج ، مدينة الخزر ، ثم يتجه إلى بحر الخزر ( بحر قزوين ) ثم إلىمرو حاضرة خراسان ، فبلخ وبخارى وسمرقند ببلاد ما وراء النهر حيث يتفرع إلى فرعين : فرع إلى بغداد وفرع إلى الصين (26), وقد اصبحت بلاد الروس منذ ذلك الحين طريقا هاما بين شمال اوربا وبلاد الشرق الاسلامى ، ويؤكد ذلك وجود نقود اسلامية فى شمال اوربا فى القرن التاسع والعاشر الميلادى.
2- طريق مدينة خمليج عبر نهر آتل ( نهر الفولغا ) إلى مدينة جرجان عبر بحر الخزر ( بحر قزوين ) : ويربط هذا الطريق مدينة خمليج بجميع الموانئ التي تطل على بحر قزوين . وتقطع السفن المسافة بين مدينة خمليج إلى مدينة جرجان في نحو ثمانية أيام . ولقد تحدث ابن خرداذبه عن هذا الطريق وقال : " فمن جرجان إلى خمليج وهي على شفير النهر الذي يجئ من بلاد الصقالبة وهو يصب في بحر جرجان ، في البحر إذا طابت الريح ثمانية أيام " .
3- الطريق الذي سلكه سلام الترجمان(27) : يبدأ الطريق من مدينة سر من رأى ويسير إلى مدينة تفليس ومنها إلى بلاد السرير ثم إلى بلاد اللان ومنها إلى بلاد الخزر . وتستغرق المسافة بالأيام ذهاباً من مدينة
سـر من رأى إلى بــلاد الخـزر ما بين اثنى عشـر إلى أربعة عـشر شـهراً تدخل فيها أيام الراحة . وفي طريق العودة يمر المسافرون بمدينة ســمرقند ، ومدينة بخارى ومدينة ترمذ ومنها إلى نيسابور والري ثم ينتهي الطريق في مدينة ســر من رأى . وتبلغ المسافة على هذا الطريق مسيرة نحو اثنى عشر شهراً وايام .
4- الطريق الذي يربط بحر قزوين بالبحر الأسود عبر نهري الفولغا والدون
. يصف الإدريسي هذا الطريق فيقول : " أن بحر طبرستان ( بحر قزوين ) بحر منقطع غير متصل بشيء من البحار ، طوله من المغرب إلى المشرق مع تحريف يسير إلى الشمال ثمان مائة ميل وعرضه سـت مائة ميل …….. ويركب فيه التجار بأمتعتهم من أرض المسلمين إلى الخـزر وهو فيما بين الران والجيل وطبرستان وجرجان وقد يسافر فيه أهل أثل ( مدينة آتل ) إلى جرجان وغيرها من البلاد الساحلية ثم يرجعون إلى آثل ويركبون في مراكب خفاف في نهر آتل ( نهر الفولغا ) ويصعدون فيه إلى أن يتصلوا بالـبلغارية ثم ينحدرون في الشعبة المنصـبة حتى يصلوا بحـر بنطس ( البحــر الأســود ) .
التبادل التجارى بين الدول الاسلامية ودولة الخزر :
كانت بلاد الخزر من المناطق الغنية اقتصادياً حيث حباها الله بموقع جغرافي ورقعة واسعة وأراض خصبة ومصادر مياه متعددة أسـهمت إسهاماً كبيراً في تنمية النشاط الزراعي والثروة الحيوانية في البلاد . وتعد الأنهار وخاصة نهري الفولغا والدانوب من أهم مصادر المياه في بلاد الخزر . ولقد مارس سكان بلاد الخزر الزراعة وامتهنوا الرعي وتربية الحيوانات وأنتجوا الكثير من الصناعات المرتبطة بهما والتي أصبحت مصدر غنى ودخل للدولة . كذلك احترف سكان الخزر التجارة وأصبحوا شركاء في تجارة الرقيق وتجارة الفراء وجلود الحيوانات وتكونت منهم جماعات من العمال والصناع الحرفيين الأمر الذي ساعد على زيادة وتنوع الإنتاج وتصديره وإنعاش الحركة الاقتصادية في المنطقة .
كان الخزر وسطاء نشطين ومهمين فى التجارة بين البلدان الاسلامية العربيه وبين شرقى اوربا . وكان نهر الفولجا طريقهم الاسهل ، وكان غراء السمك بضاعتهم الوحيدة . اما الشعب الفنلندى . الذى سكن الاراض الواقعه بين الخزر والبلغار ولذى عرف ببرطاس فكان يصدر الفرو ، وخاصة فرو الثعالب السود الذى كان فروا ممتاز وثمينا جدا . وكانت تجارتهم تحمل بطريق خرسان .
والعرب انشأوا لغرض التجاره ومستودعات عند الخزر وفضلا وعن ذلك بذل امراء الخزر كل ما فى وسعهم لمنحهم من الاتجار فى هدوء مع العرب سادة المناطق الواقعة وراء القوقاز وبحر قزوين .
كما كان للسلاف مستوطنه تجارية عند مصب الفولجا فى مدينة اتل عاصمة الخزر لذلك يعثر على نقود عربية .(28)
فمن بحر قزوين الذى كان المسلمون يملكون نصفه الجنوبى كانت هذه الحدود تمتد شرقا حتى بحر ارال حيث تسود حركة تجارية كبيرة ، وكانت الثغور العديدة المتناثرة على ساحل بحر قزوين من ابسكون واستراباد فى الجنوب الشرقى حتى دربند فى الغرب تغذى حركة ملاحة نشطة كانت استراباد تصدر ملابس حريرية واغطية للرأس وطاقيات ، وتعرض اسواق دربند مجموعه من السلع والمنتجات من كل اجزاء الساحل .(29)
وان ملوك الخزر سكان المناطق التى يخترقها مجرى نهرى الفولجا السفلى نجحوا اخيرا فى تهيئة وضع منتظم واذنوا لليهود والمسيحيين وللمسلمين بالاقامة فى بلادهم بكامل حريتهم ومنحوهم حرية ممارسة شعائر اديانهم وسمحوا لهم بان يكون قضاتهم من اخوانهم فى الدين ومن ذلك الحين استطاع التجار العرب ان يوثقوا علاقات منتظمه مع مناطق شمال بحر قزوين وشهدت اتل عاصمة الخزر الواقعة على مصب نهر الفولجا وصول سفنهم وقوافلهم وكانت نقطة الرحيل الرئيسيه ، ثغر استراباد اما بالنسبة الى القوافل فكانت نقطة الرحيل مدينة الحدود جورجانية على بحر ارال . وتمكن العرب من صعود نهر الفولجا حتى قلب روسيا طلبا للجلود والفراء .(30)
وكان الخزر قد توسعوا حتى غربى نهر الدن وبحر ازوق . ولما
كانوا يتلقون الكثير من البضائع بواساطة العرب ، كان بمقدورهم ان ينقلوها
مباشرة عن هذا الطريق الى القسطنطينية .(31)
ولقد اشـتهرت بلاد الخـزر بتربية الخيول وإنتـاج الأنواع الجيدة منها وتصديرها إلى البلاد الإسلامية . وقد أدى شغف العرب المسلمين بالفروسية والتنافس فيما بينهم في ركوب الأسرع والأقوى من الخيول إلى استيراد الخيل الخزرية واستخدامها . ويذكر ابن الفقيه الخيل الخزرية ويصنفها من ضمن الذخائر التي تجمعها الملوك الأمر الذي يدل على جمالها وصلابتها وقوة تحملها . كذلك اشتهرت بلاد الخزر بإنتاج وتصدير الأسلحة . ومن بين الأسلحة التي تصدرها إلى الخارج الأسنة الخزرية . وهي أسنة معروفة عند العرب المسلمين وقد ورد ذكرها عند ابن الفقيه في كتاب البلدان مما يوحي أنها ذات جودة عالية . واشتهرت بلاد الخزر كذلك بتصدير الدروع والبيضات والمغافر . وكانت تُعد من طرائف السلع التي تجلب إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية .
وكانت للجلود الخزرية شهرة كبيرة في العالم الإسلامي. واختصت بلاد الخزر بدباغة جلود الثعالب التي كانت تصدر إلى العراق وغيرها من البلاد الإسلامية . وعند حديثه عن خصائص البلاد من الأوبار أشار أبو حامد الغرناطي إلى جودة جلود الثعالب الخزرية . ومن ناحية أخرى يشير القزويني إلى ولاية برطاس ويقول أنها : ولاية واسعة بالخزر مفترشة على نهر آتل …. بها نوع من الثـعالب في غاية الحسـن ، كثير الوبر أحمر اللون ، جلودها الفراء البرطـاسية . وقد أكد المسعودي هذا الأمر وأضاف : وتلبس ( الجلود ) السود منها ملوك العرب والعجم ، وتتنافس في لبسه ، وهو أغلى عندهم من السمور والفنك وما شاكل ذلك ، وتتخذ الملوك منه القلانس والخفاف والدواويج ، ويتعذر في الملوك من ليس له خفان ودواج مبطن من هذه الثعاليب البرطاسية السود . وكانت هذه الأوبار تصدر إلى خوارزم وإلى جرجان والري والاندلس والمغرب وبغداد. وهي أكرم الأوبار واكثرها ثمناً .
وأشتهرت بلاد الخزر أيضاً بتصدير الرقيق إلى بلدان العالم الإسلامي ويذكر دنلوب أنه كان يوجد في عاصمة الخزر سوق لبيع الرقيق والغالب أن أسواق النخاسة كانت منتشرة في معظم المراكز التجارية في بلاد الخزر. وكانت تجارة الرقيق من اختصاص التجار اليهود وتدر عليهم أرباحاً هائلة وينقلون الرقيق إلى مناطق بعيدة مثل الصين والهند . وتشكل المنطقة الممتدة ما بين بحر قزوين والبحر الأسـود مصدراً رئيسياً وهاماً لتصدير الرقيق الأبيض إلى العالم الإسلامي . ويذكر ابن حوقل " أن رقيق الخزر من عبدة الأوثان الذين يستجيزون بيع أولادهم واسـترقاق بعضهم لبعض . فأما اليهود منهم والنصارى فأنهم يتديَّنون بتحريم استرقاق بعضهم لبـعض ." (32) وكان رقيق الخــزر يصل إلى إقـليم خوارزم وكذلك إلى بغداد عبر نهر الفرات ومنها إلى سائر البلدان . كما ورد ذكر الرقيق المستورد من بلاد الخزر في قائمة ما يجلب إلى بغداد من البلدان من طرائف السـلع والأمتعة والجواري والأحجار التي أوردها الجاحظ في كتابه الموسوم بـ " التبصر بالتجارة " .
ومن المواد الهامة التي كان يصدرها سكان بلاد الخزر وتدر عليهم أرباحاً وفيرة غراء السمك ، ودهن السمك الذي يعتمد عليه في إنارة السُرْج في الليل. وقد أشار ابن حوقل إلى إنتاج بلاد الخزر لغراء السمك وتصديره إلى الخارج . وكانت مدينة سقسين من أهم مراكز إنتاج غراء السمك ودهن السمك . ويعطينا القزويني معلومات قيمة عن أنواع الأسماك التي تنتج الغراء والدهن في مدينة سقسين فيقول : " بها نهر عظيم أكبر من دجلة ، وفيه أنواع السـمك ما لم يشاهده أحد في غيره ، يكون السمك حمل جمل ، وفيها صغار لا شوك فيها كأنها الية الحمل محشوة بلحم الدجاج ، بل أطيب ، ….. . يخرج من بطنها دهن يكفي للســراج شــهراً ، ويحصل منها الغـراء نصـف منّ ، وأكـثر . وإن قـدّد يكون من أحسن قديد . ".(33) وتعود أهمية الغراء إلى أنه كان يدخل في العصور الوسطى في العديد من الصناعات مثل صناعة المنسوجات وتركيب الأدوية
والأحبار. وكان إنتاج بلاد الخزر من الغراء يصدر إلى جميع الآفاق .
أما قائمة الواردات من العالم الإسلامي إلى بلاد الخزر فتتضمن المنسوجات وكانت تستورد من فارس والعراق وتصل إلى بلاد الخزر عن طريق جرجان وطبرستان واذربيجان ، وكذلك السمور والقاقم والسنجاب من بلاد البلغار وروسيا . كما أشار ياقوت الحموي إلى استيراد الدقيق. كذلك كانت بلاد الخزر تستورد الخز وتصل معظم البضائع والسلع إلى بلاد الخزر عن طريق القوافل التجارية القادمة من مدينتي خوارزم وجرجان . ولقد قام التجار اليهود الرذانية والتجار الروس الصقالبة بدور كبير في حركة تبادل السـلع بين بلاد الخزر والهند والصين ، وعن طريق هؤلاء التجار كانت تجلب إلى بلاد الخزر المنتجات الهندية والصينية مثل العود والمسك والدار صيني . وكان الشمع من بين واردات بلاد الخزر . وقد أشار ياقوت إلى ذلك أثناء حديثه عن الخزر وذكر مع الشمع مادتي العسل والأوبار .
أسلوب التعامل التجاري
لم تكن لبلاد الخزر عملة خاصة بها وكان أهلها يستخدمون في عمليات البيع والشراء أساليب مختلفة من الطرق والوسائل يأتي في مقدمتها المقايضة وهي بيع عين بعين حيث يقوم كل شخص بمقايضة سلعته بسلعة أخرى دون استخدام النقود.
كذلك شاع استخدام الرصاص في بلاد الخزر كوسيلة للشراء . ولقد سبقت الإشارة إلى إنتاج بلاد الخزر من الرصاص الجيد وتصديره إلى البلدان الإسلامية. ولقد أشار أبو حامد الغرناطي إلى تعاملهم التجاري بالرصاص وقال : والذي ينفق بينهم الرصاص الأبيض ؛ كل ثمانية أمنان بالبغدادي بدينار يقطعونها قطعاً ويشترون بها ما يشاؤون من الفواكه والخبز واللحم . ويؤكد القزويني ما ذكره أبو حامد في تعامل سكان الخزر بالرصاص لكنه يختلف معه في قيمة وعدد أمنان الرصاص بالنسبة إلى الدينار. ويضيف : ومعاملات أهل سقسين على الرصاص كل ثلاثة أمنان بالبغدادي بدينار ويشترون بها ما شاؤوا كالفضة في بلادنا . (34)
ومن الوسائل التي كانت متبعة في التعامل والتبادل التجاري في بلاد الخزر استخدام الدلق . والدلق هو الجلد المدبوغ . وكان الدلق متداولاً في العصور الوسطى في العديد من البلدان المجاورة لبلاد الخزر مثل بلاد الصقالبة وبلاد البلغار وروسيا . وكان الدلق المتداول في بـلاد الخـزر يصنع من جلود السـمور التي يستوردونها من بلاد الصقالبة . وفي معرض حديثه عن الصقالبة يذكر ابن فضلان أن : على ملك الصقالبة ضريبة يؤديها إلى ملك الخزر من كل بيت في مملكته جلد سمور . ويفهم مما أورده ابن فضلان أن الخزر كانت لهم قوة وسطوة كبيرتان أجبرت الكثير من الشـعوب المجاورة وخاصة السلافية على دفع الضرائب لملكهم الذي يدعى خاقان (35). ولقد وردت الإشارة إلى استخدام الخزر الدلق كوسيلة شرائية عند ابن رسته عندما تحدث عن بلاد البرطاس فقال : بلاد برطاس بين الخزر وبين بلكار (بلغار) بينها وبين الخزر مسيرة خمسة عشر يوماً وهم في طاعة ملك الخزر …… ولهم جمال وبقر ولهم عسل كثير وأكثر أموالهم الدَلَق .
وبالإضافة إلى ذلك اسـتغل أهل الخزر العسـل والوبر المتوفـر في بلادهم واستخدموهما كوسـيلة من وسـائل التعامل التجاري .
علاقات العرب التجارية مع روسيا
مما يثير الدهشة تلك الكمية الهائلة من النقود الفضية شرقية الاصل التى تظهر فى الحفريات التى تجرى شمال اوربا .(36)
واغلب النقود الفضية العربية ( الدراهم ) التى عثر عليها كان فى اقليم البحر البلطى بروسيا ، يرجع اقدم هذه النقود الى اواخر القرن السابع ، واحداثها الى مستهل القرن الحادى عشر الميلادى وينطبق هذا الرأى تماما على الملحوظة التى ابداها تورنبرج وفحواها ان مجموعة الدراهم التى وجدت فى السويد تبدا بقطعة من عام 698 فى العصر الاموى ، وتنتهى بقطعة من عام 1010 عصر البويهيين . يقول تورنبرج ان القرن الاول من هذا العصر لاينتمى اليه الا القليل جدا من هذه النقود . فدراهم السنوات 795 – 816 م كثيرة ولكن الاكثر هى نقود اواخر القرن التاسع حتى وسط القرن العاشر وابتداء من عام 955 م تقل بالتدريج وبعد العقد الاول من القرن 11 ينعدم وجودها .(37)
واغلب البلاد التى اتت منها هذه النقود اكثر من ثلثها اتية من الدولة السامانية ، وخراسان ، وسمرقند ، وبخارى ،وبلخ ، وجرجان ، وطبرستان ، والديلم . وتقدم بغداد مقر الخلافة العباسية نصيبا كبيرا من النقود .(38)
ونتبين ان الشمال وروسيا وقد وثقا لزمن طويل علاقات مباشرة وغير مباشرة مع البقاع الاسيوية الخاضعة لسيادة العرب . وان الكميات المدهشة من النقود العربية التى بقيت فى روسيا وفى الاقاليم البلطية التى خرجت من ايدى العرب ولم تعد اليهم وهذا يثبت ان شعوب الشمال كانت تشترى من العرب اقل مما تبيع لهم والعرب كانوا يسعون للحصول على الفراء وعنبر البلطيق .(39)
وفى هذا العصر كانت عادات المعيشة فى شمال اوربا بسيطة ، فلم يتيسر للعرب بيع السلعة الرئيسيه فى تجارتهم ، وهى التوابل اما فيما يخص بالثياب ، فإن الروس الاسكندناوين الذين عرفهم ابن فضلان عند البلغار لم يكونوا يطلبون الحلى الا لنسائهم ، ويدفعون عن طيب خاطر درهما واحد ثمنا لخزره من الزجاج الاخضر . ويتبن مما يرويه ابن فضلان ان هذه هى السلعة الوحيده التى كانوا يشترونها .(40)
ولا يسعنا ان نثبت ان التجار العرب قد غامروا بالذهاب الى اسكندناوة وهذا لا يمنع من ان الجغرافين العرب كان عندهم معلومات صحيحة عن هذه البلاد ولكن الثابت ان التجار صعدو نهر الفولجا بسفنهم حتى بلاد البلغار . والمعروف ان بعض قبائل البلغار تقدموا صوب نهر الدانوب فى حين بقيت قبائل اخرى فى روسيا واستقرت عند منتصف مجرى نهر الفولجا وكانت " بلغار " عاصمتهم واقعة بين قازان وسمبرسك اسفل ملتقى نهرى كاما والفولجا . ولما كانت " بلغار " نقطة تجمع منتجات الشمال فانها جذبت اليها التجار العرب بقوة . ولما كانت التجار واثقين من ان يجدوا بها ترحيبا طيبا لان الملك والاهالى كانوا قد اعتنقوا الاسلام وكان ما يسعى التجار العرب للحصول علية فى تتلك الاصقاع هو الفراء الذى كان مولعا باقتنائه عظماء الشرق .(41)
والواقع ان التجار البلغار والروس وغيرهم من سكان الشمال كانوا من قبل يسافرون حاملين الجلود والفراء الى اتل عاصمة الخزر عند مصب نهر الفولجا حيث يملكون المستودعات غير ان التجار العرب لم يرهبوا مواجهة شهرين من الملاحه او شهرا من السفر برا حتى يقتربوا بقدر المستطتع من مصدر اجل انواع الفراء ، ومع ذلك فانهم لم يجرؤا على المضى الحر ابعد من بلغار .
ذهب بعض التجار العرب الى مدينة بلغار " عاصمة البلغار " بطريق اتل او برا او فى القوارب بصعود الفولغا . وكانوا يؤدون ضريبه قدرها 1/10 فى بلغار ويعاملون معاملة جيدا لان البلغار قد اسلموا حديثا " اابن رسته " ز ويذكر المقدسى ان البضائع الروسية والبلغارية كانت تاتى من بلغار وشملت فرو السمور والسنجاب والفك وفرو الثعال ، اضافة الى النشاب والقلانس وغراء السمك والسيوف والدروع والرقيق الصقلبى والعسل والشمع .
وعلى ذلك كان الروس يحضرون الى السوق البلغارية بضائعهم التى يبدوا انها تشمل بنوع خاص جلودا وفراء وعبيدا ويبيعونها للبلغار او العرب ويحصلون فى مقابلها اما على نقود اسيويه كانت ثمة متوفرة او نقود بلغارية تشابهه النقود الاسيوية حتى يصعب التميز بينها . ثم انهم لم يتوقفوا دائما هناك فقد كان من السهل الملاحة فى النهر مع التيار حتى اتيل عاصمة الخزر . وهذا ما فعلوا وانشأوا هناك مستودعات .(42)
ونحن نعلم من خرداذبة ان سفنهم شوهدت فى بحر قزوين وان
بضائعهم كانت تنقل على ظهور الجمال من جورجان الى بغداد ولما كانوا يتقدمون بسفنهم حتى الشاطئ الغربى لبحر قزوين وتصل بضائعهم الى المركز السياى للعالم الاسلامى فإنه كان ممن الطبيعى ان تاتى الى روسيا نقود مصدرها ليس فقط الواقعة جنوبى بحر قزوين ولكن ايضا كل اجزاء العالم الاسلامى وتنتشر فى الشمال كله .(43)
تاجر هؤلاء الروس بفرو الخزر وبفرو الثعلب السود وبالسيوف واستعانوا بخدام من الصقالبه ليترجموا لهم . ويؤكد ابن رسته ان هؤلاء الروس الذين سكنوا انذاك حول نوفوغرود كانوا يتاجرون بفرو الخزر والسنجاب والرقيق . ويضيف ابن حوقل الى ذلك ان التجارة الروسية كانت تنقل دائما عبر الاراض الخزرية .
ويذكر ابن فضلان انه التقى ببعض التجار الروس قرب بلغار و وكانوا يحملون الرقيق والفرو فى طريقهم الى بحر قزوين (44)، وان التجار المسلمين كانوا يتاجرون مع كويابه " كييف" مباشرة ويتحدث المروزى عن الكهرب الصقلبى المحمول من منطقة البلطيق الذى يأخذه التجار المسلمون الى الصين . ويضيف ابن حوقل الرصاص والزئبق الى صادرات الروس.
كان الاسكندناويون فى المناطق الواقعة وراء بحر البلطيق يعرفون منذ اقدم العصور " طريق الشرق " وعندما اتى مواطنوها الى روسيا واستقرو بها وفرضوا سيادتهم عليها . كثرت رحلاتهم فى تلك النواحى وكانوا اغلبية بين العديد من التجار الذين تقاطروا من كل الانحاء وعلى اسواق نوفجورود . وجلبوا اليها الفراء والصوف . اذ شاعت تربية الاغنام فى الشمال والريش وشوارب الحوت . وزيت السمك الخ ويتلقون نظير بيعها قطعا من نقود فضية عربية سارية المفعول لدى مواطينهم الروس لانهم لم يكونوا قد سك نقود لحسابهم الا فى وقت متأخر .(45)
ولكن الثابت ان التجار العرب انهم صعدو نهر الفولجا بسفنهم حتى بلاد البلغار والمعروف ان بعض قبائل البلغار تقدموا صوب نهر الدانوب فى حين بقيت قبائل اخرى فى روسيا واستقرت عند منتصف مجرى نهر الفولجا وكانت " بلغار " عاصمتهم واقعة بين قازان وسمبرسك اسفل ملتقى نهرى كاما والفولجا،ولما كانت بلغار نقطة تجمع منتجات الشمال فانها جذبت اليها التجار العرب بقوة وكان هؤلاء التجار واثقين من ان يجدوا بها ترحيبا طيبا لان الملك والاهالى كانوا قد اعتنقوا الاسلام . وكانوا ما يسعى التجار العرب للحصول علية فى تلك الاصقاع هو الفراء الذى كان مولعا باقتنائه عظماء الشرق . والواقع ان التجار البلغار والروس وغيرهم من سكان الشمال كانوا من قبل يسافرون حاملين الجلود والفراء الى اتل عاصمة الخزر عند مصب نهر الفولجا حيث يملكون المستودعت غير ان التجار العرب لم يرهبوا مواجهة شهرين من الملاحة او شهر من السفر برا حتى يقتربوا بقدر المستطاع من مصدر اجل انواع الفراء .ومع ذلك فانهم لم يجرؤا على المضى ابعد من البلغار .(46)
انه كان للشرق حينئذ تجارة واسعة المدى مترامية الاطراف تكاد تختفى البلاد المسيحية فى ظلها تجارة تمتد عبر بحر الخزر والفولجا الى االشمال .(47)
وبين مملكة الروس وانبراطورية العرب العالمية ورومية كانت تقع فى الوسط دولة الخزر وكانت هذه الدوله تضم يهود الشرق الادنى المشردين منذ مئات السنين وبينهم سكان سلمون ومسيحيون وعبدة اوثان . وذلك ان غنى هذه الدولة العظيم كان اساسه تجارة المرور والمكوس التى كانت تفرضها على كل البضائع الوافده من كل اطراف الدنيا .(48)
اسلوب التعامل بين العرب والروس :
كان اسلوب التعامل بينهم بالنقود الفضية العربية ومما يثبت ذلك وجود كميات كبير منها فى شمال اوربا .وثمة ملحوظة اخرى : ذلك ان عددا كبيرا من هذه النقود وجدت مكسورة ، والملاحظ ان عملية كسر النقود كانت شائعة فى اسواق الشرق خاصة سمرقند .(49)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(46) ف .هايد : تاريخ التجارة فى الشرق الادنى ، ص 78 .
(47) زغريد هونكه : شمس العرب تسطع على الغرب ، ترجمة فاروق بيضون واخرون ، راجعه مارون عيسى الخورى ، بيروت ، 1413 هـ / 1993 م ، ط 8 ، ص 27 .
(48) نفس المرجع السابق ، ص 28
(49) ف.هايد : تاريخ التجارة ، ص 77 .
وذلك لان تجار الشمال هم الذين تلقوا النقود بهذه الصورة سداد لمبيعاتهم وكان العرف السائد وقتئذ وزن الفضة المعطاة سدادا للبيع فكانوا الى جانب قطع النقود السليمة اجزاء مكسورة لاكمال الوزن ، ويحدث هذا ايضا حين لايساوى الشئ المبيع الا نصف درهم او ربعه. (50)
الى جانب النقود كانوا يستخدمون الحلى المصنوع من الفضه فى التبادل التجارى كسلع وكانقود والدليل على ذلك انهم عثروا على حلقات من ضفائر فضية مع نقود عربيه حقيقية فانها تكون من معدن واحد والنتيجة ان الحركات التجارية . كانت تجلب احيانا من الشرق ممع النقود الفضية ، حليا من الفضة ، اما بمثابة سلع ، او انها وسيلة من وسائل دفع الثمن . (51)
فالثابت ان سكان شمال اوربا لم يكونوا يشترون الا عدد قليلا من السلع العربية المصدر .
فلنا ان نعتبر ان اكثر الفترات ازدهارا بالتجارة هى الفترة الممتدة من اواخر القرن التاسع الى منتصف القرن العاشر ونستنتج من ندرة هذه النقود فى النصف الثانى من القرن العاشر ضعف التجارة بالتدريج ويرجع ذلك الى كانت روسيا فى حالة انحلال ومجزأة الى امارات ليس لديها القدرة على مزاوالة التجارة وقام الروس باخضاعهم البلغار المسلمين وتحويلهم بالقوة الى الديانة المسيحية وقضوا على الوسيط الذى يربطهم بالشرق ومن جانب الشرق قضى اليك خان التركمانى على اسرة السامانين التى صنعت الكثير فى سبيل نهضة التجارة وحروب بين الامراء الاتراك الذين خربوا بلاد ما وراء النهر ،وفى تلك الاونة اصابت الاقدار السيئة ذلك الطريق التجارى الذى يصل الشرق ببحر البلطيق عن طريق بحر قزوين فظل غير صالح للاستعمال طول العصور الوسطى . (52)
كانت دولة الخزر فى طرق التجارة الواصلة الى الشرق فكان التجار يمرون من المانيا وبلاد الصقالبة حتى مدينة الخزر اتل اعلى مصب الفولجا ويعبر بحر قزوين ثم يعود الى الطريق البرى فيمر ببلخ ومنها الى الصين عبر نهر جيحون .
خريطة الدولة العباسية
خريطة دولة الخزر واهم الطرق التجارية
خريطة لدول شمال اوربا
قائمة المصادر والمراجع
اولا المصادر العربية
1- ابن حوقل : ابو القاسم بن حوقل النصيبى (ت اواخر القرن الرابع الهجرى / العاشر الميلادى ) .
كتاب صورة الارض ، بيروت ، 1979 م.
2- ابن رسته : ابوعلى احمد بن عمر ( ت بين عامى 310 و 337 هـ / 922 و 948 م )
كتاب الاعلاق النفيسة ، بيروت ، 1988 م.
3- ابن فضلان : احمد ابو العباس ابن رشيد بن حماد ، رسالة بن فضلان
4- القزوينى : زكريا بن محمد بن محمود القزوينى (ت 682 هـ /1283 م ) .
كتاب اثار البلاد واخبار العباد ، بيروت ، بدون تاريخ .
5- المسعودى : ابو الحسن على بن الحسين (ت 346هـ /957 م) ،
- مروج الذهب ومعادن الجوهر ، تحقيق محمد محى الدين ، بيروت ، 1982 م.
6- ابن الوردى : سراج الدين ابو حفص عمر (ت 850 هـ /1446 م او 861هـ / 1457 م ).
كتاب خريدة العجايب وفريدة الغرايب ، تحقيق انور محمود زناتى ، مصر ، 1276 هـ / 1859 م.
7- ياقوت الحموى : الامام شهاب الدين ابى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموى البغدادى(ت 626هـ / 1229 م ).
- كتاب معجم البلدان ، المجلد الثانى .
ثانيا المراجع العربية
1- ابراهيم ايوب: التاريخ العباسى السياسى الحضارى ، دار الكتاب العالمى ، بيروت ، ط 1 ، 1989 .
2- حسن ابراهيم حسن : تاريخ الاسلامى السياسى والدينى والثقافى والاجتماعى ، القاهرة ، 1416 هـ / 1996 م ، ط 14.
3- عبد العزيز الدروى :
- العصر العباسى الاول دراسة فى التاريخ السياسى والادارى والمالى ،دار الطليعة للطباعة ، بيروت ،د.ت .
- تاريخ العراق الاقتعادى فى القرن الرابع الهجرى ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1948.
4- ليلى عبد الجواد: الاسلام والمسلمون فى حوض الفولجا ، دار الثقافة العربية ،1427 هـ/ 2006 م.
ثالثا المرجع المترجمة
1- زغريد هونكه : شمس العرب تسطع على الغرب ، ترجمة فاروق بيضون واخرون ، راجعه مارون عيسى الخورى ، بيروت ، 1413 هـ / 1993 م ، ط 8.
2- ) ف. هايد : تاريخ التجارة فى الشرق الادنى فى العصور الوسطى ، ترجمة احمد محمد رضا ، تقديم عز الدين فوده ، الهيئة المصرية للكتاب ، 1985 م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق