http://www.eltare7.blogspot.com/google324c3cba9ff2b9ca.html‬ التاريخ صانع المستقبل

ردد معى

لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحى ويميت وهو على كل شئ قدير

الجمعة، 3 أغسطس 2012

المقدمة
     هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي ... المعروف أكثر باسم ابن خلدون .  ولد ابن خلدون في تونس عام 1332م (732هـ) بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب، فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته، وكان أبوه هو معلمه الأول, شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ، نزح أهله من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس، وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين
      قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين في فاس الذي أسسته الأختان الفهري القيروانيتان وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة، مصر والمدرسة الظاهرية وغيرهم وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيهاً متميزاً خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة وكان في طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبّة". توفي في القاهرة سنة 1406 م (808هـ). ومن بين أساتذته الفقيه الزيتوني الإمام ابن عرفة حيث درس بجامع الزيتونة المعمور ومنارة العلوم بالعالم الإسلامي آنذاك.
منهجية ابن خلدون التاريخية

         وكان لا بدّ من انتظار القرن الثامن عشر ليبعث ابن خلدون من جديد، ولتحدث المفاجأة في الأوساط العلمية الأوروبية بترجمة «المقدمة» إلى الفرنسية أولا، ثم إلى الإنجليزية جزئياً، مطلع القرن العشرين، وإلى الألمانية أوائل ثلاثينات القرن الماضي، إلى أن نشرت بشكل كامل سنة 1958 في بريطانيا.
      وكانت المقدمة قد حظيت بدراسات عالمية للتعريف بها قبل هذا التاريخ، ثم توالت طبعاتها، مشمولة بتعليقات، منها ما قاله المؤرخ وعالم الاجتماع أرنو لد توينبي، من أن مقدمة ابن خلدون «أعظم مؤلف من نوعه، لم يقم بإنجازه أي عقل من قبل في أي زمان ومكان»
       قال عنه روبرت فلينت في كتابه "تاريخ فلسفة التاريخ" "انه منقطع النظير في كل زمان ومكان, حتى ظهور فيكو بعده بأكثر من ثلاثمائة عام, ليس أفلاطون ولا أرسطو ولا القديس اوغسطينوس بأنداد له, وأما البقية فلا يستحقون حتى الذكر بجانبه".
        لقد تغيرت آراء علماء الغرب فقد كانوا يزعمون أن فيكو هو أول من فكر في علم التاريخ, ولكنهم علموا بعدئذ أن ابن خلدون قد سبقه إلى ذلك بمدة تزيد عن ثلاثة قرون ونصف القرن, وانه أقام دراسته لتطور الحضارة الإنسانية على دعائم علمية قوية, فإذا كان كتاب فيكو يعتبر بمثابة تفلسف في تاريخ الإغريق والرومان، فان مقدمة ابن خلدون تفلسف في تاريخ العرب والإسلام.لقد أصبح التاريخ بفضل ابن خلدون علما منهجيا راسخا, ولم يعد سردا للحوادث بل تعليلا لها.
         لقد أنشأ ابن خلدون في مقدمته علما جديدا لم يسبقه أحد لا من مفكري الشرق ولا من مفكري الغرب وقد أطلق ابن خلدون على علمه الجديد اسم العمران, ويفتخر ابن خلدون بهذا العلم ويعتبر نفسه مبتكرا ومخترعا في هذا التأليف ولم يكن مقلدا أو مقتبسا من أحد.
        إن مقدمة ابن خلدون بما حوته من علم جديد هي التي أكسبته الشهرة الواسعة وخلدت اسمه بين علماء العالم، انه إمام ومجدد في علم التاريخ, لذلك يرى كثيرون أن ابن خلدون هو أبو التاريخ أو مؤسس علم التاريخ على حد قول البروفيسور ألبان ج ويدرجيإن المقدمة تكاد تكون المؤلف العربي الوحيد الذي   نحس أثناء قراءاته، انه أكثر معاصرة منا لأنفسنا وواقعنا, وبعبارة أخرى إننا عندما نقرا المقدمة نشعر بأننا نقرأ ما لم نكتبه بعد, ونسمع فعلا ما لم نقله بعد.
       لقد كان ابن خلدون شخصية غير متوقعة بالنسبة لعصره, ذلك العصر الذي بلغ تفكك العالم الإسلامي فيه مبلغه بين دويلات طائفية متناحرة, لذلك فقد بقيت مقدمته مغمورة وضائعة وسط صخب صراع الدول الطائفية ووسط أمة خاملة, إلى أن ترجمها الأوربيون واستفادوا منها، وقامت دراسات متعددة حولها تعد بالآلاف, ولقد قال جورج سارتون في حق ابن خلدون "لم يكن فحسب أعظم مؤرخي العصور الوسطى شامخا كعملاق بين قبيلة من الأقزام, بل كان من أوائل فلاسفة التاريخ سابقا ميكيافلي وبودان وفيكو وكونت وكورتو، وقد اعتبر المستشرق الفرنسي سيلفيستر دي ساسي (1758-1838) الذي درس الإنتاج العلمي لابن خلدون بقوله "انه مونتسكيو العرب, ثم فر يدريك شولتز (1799-1829)الذي أشار إلى ضرورة إصدار نشرة سريعة وترجمة لهذا البحث الفلسفي لمؤلف يدعى بحق "مونتسكيو الشرق"، ذلك أن المنهج الخلدوني التاريخي تميز بالدقة العلمية, فلقد كان التاريخ قبله لونا من ألوان الأدب ونوعا من المسامرة وسرد الحوادث.
       لقد كان الأقدمون ينظرون إلى التاريخ نظرتهم إلى ديوان أخبار، ولم يعدوه علما من العلوم له قواعده وأصوله وأسسه ومناهجه, ولا ينكر أحد أن التاريخ على يد ابن خلدون أضحى علما متكاملا راسخا, إذ لم يهتم فقط بالتساؤل عن أحداث الماضي وتسجيلها، وإنما كان يسال أيضا عن كيفية حدوثها, فتساءل عن سبب وقوع هذه الأحداث, وحاول استجلاء أهم العوامل والأسس التي تتقدم من خلالها الحضارة، وكذلك العوامل والأسباب التي تؤذن بخرابها, لذلك اعتبره العديد من الباحثين والمتخصصين بأنه إمام لفلاسفة التاريخ,لأنه ولأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني يبتدع ابن خلدون علم الاجتماع البشري والقوانين المنظمة للحياة وتطور المجتمع.

علم التاريخ عند بن خلدون

      لقد تجمعت في شخصية ابن خلدون العناصر الأساسية النظرية والعملية التي تجعل منه مؤرخاً حقيقياً - رغم أنه لم يول في بداية حياته الثقافية عناية خاصة بمادة التاريخ - ذلك أنه لم يراقب الأحداث والوقائع عن بعد كبقية المؤرخين، بل ساهم إلى حد بعيد ومن موقع المسؤولية في صنع تلك الأحداث والوقائع خلال مدة طويلة من حياته العملية تجاوزت 50 عاما، وضمن بوتقة جغرافية امتدت من الاندلس وحتى بلاد الشام. فقد استطاع، ولأول مرة، (اذا استثنينا بعض المحاولات البسيطة هنا وهناك) أن يوضح أن الوقائع التاريخية لا تحدث بمحض الصدفة أو بسبب قوى خارجية مجهولة، بل هي نتيجة عوامل كامنة داخل المجتمعات الإنسانية، لذلك انطلق في دراسته للأحداث التاريخية من الحركة الباطنية الجوهرية للتاريخ. فعلم التاريخ، وان كان (لايزيد في ظاهره عن أخبار الايام والدول) انما هو (في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، لذلك فهو أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق(المقدمة). فهو بذلك قد اتبع منهجا في دراسة التاريخ يجعل كل أحداثه ملازمة للعمران البشري وتسير وفق قانون ثابت.
       وهكذا فهو وان لم يكتشف مادة التاريخ فانه جعلها علما ووضع لها فلسفة ومنهجا علميا نقديا نقلاها من عالم الوصف السطحي والسرد غير المعلل إلى عالم التحليل العقلاني والأحداث المعللة بأسباب عامة منطقية ضمن ما يطلق عليه الآن بالحتمية التاريخية، وذلك ليس ضمن مجتمعه فحسب، بل في كافة المجتمعات الإنسانية وفي كل العصور، وهذا ما جعل منه أيضا وبحق أول من اقتحم ميدان ما يسمى بتاريخ الحضارات أو التاريخ المقارن.إني أدخل الأسباب العامة في دراسة الوقائع الجزئية، وعندئذ أفهم تاريخ الجنس البشري في إطار شامل...اني ابحث عن الأسباب والأصول للحوادث السياسية. كذلك قوله داخلا من باب الأسباب على العموم على الأخبار الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا...وأعطي الحوادث علة أسبابا. 'ا

وقد اتبع ابن خلدون منهج النقد والاستقصاء والملاحظة توصلاً إلى نقد الأخبار نقداً علمياً ونقد الطرق المتبعة عند المؤرخين والتعرف إلى مواطن الخبر، واستقصاء مظانّه، ومناقشة الروايات، والمقارنة بينها، وبذلك تكمل الرواية وتحقق الدراية ما عسى أن يكون في (الخبر) من تحريف أو مبالغة أو تزوير إذ كثيراً ما يتطرق (الكذب) إلى الروايات تشيعاً لرأي أو زلفى لحاكم أو رئيس وما إلى ذلك.

قانون المطابقة لأحوال العمران عند ابن خلدون

       وكان ابن خلدون شديد الاعجاب بالناحيه التاريخيه من مؤلفاته فهو يعتبر ان هذا التاريخ الذي عني به قد استوعب اخبار الخليقه واعطى للحوادث عللها واسبابها متحاملا بالوقت نفسه على من سبقه من المؤرخين وبيان ماوقع فيه هؤلاء من اوهام واخطاء وتحريف في النقل عاصما نفسه من الوقوع في مثل ما وقعوا فيه من خلال اتباع منهجية التاريخ العلميه وقانون المطابقه الذي ابتكره من خلال اخذ الحادثه التاريخيه او الخبر التاريخي واخضاع كل ذلك لقانون المنهجيه ونظرية مطابقته للواقع  و في ذلك قال ابن خلدون: " و كثيرا ما وقع للمؤرخين و المفسرين و أئمة النقل من المغالط في الحكايات و الوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا و لم يعرضوها على أصولها و لا قاسوها بأشباهها و لا سبروها بمعيار الحكمة و الوقوف على طبائع الكائنات و تحكيم النظر و البصيرة في الأخبار فظلوا عن الحق و تاهوا في بيداء الوهم و الغلط و لا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال و العساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب و مظنة الهذر و لا بد من ردها إلى الأصول و عرضها على القواعد."(
      فمثلا ما اورده المسعودي في تاريخه وغيره من المؤرخين من ان جيوش موسى بن نصير التي فتحت المغرب قد بلغت 600000مقاتل فهذا من وجهة نظر ابن خلدون لا يثبت امام النقد التاريخي وذلك لاسباب جغرافيه بعدم اتساع ساحة المعركه لهذا الجيش وجيوش خصومه والاقوام الاخرى التي كانت شاهدة على هذا الفتح وانها اشبه بالقصص والخرافات منها الى الحقيقه وحادثه اخرى نقدها ابن خلدون رواها المسعودي ايضا كما رواها معظم المؤرخين من ان جيوش بني إسرائيل الذين كانوا مع النبي موسى عليه السلام بعد خروجهم من مصر بأتجاه فلسطين أحصاهم في التيه بعد أن أبقى منهم مَن يطيق حمل السلاح وهم الشبان الأقوياء الذي بلغوا سن العشرين فما فوقها ولم يدركهم ضعف الشيخوخة فوجدهم ستمائة ألف أو يزيدون.
       
 ويقول ((ابن خلدون)): إن المبالغة في هذا الرقم واضحة وإن تحديد الجيش بهذا العدد أمر غير معقول. وإن القوانين التي يخضع لها تزايد السكان تحكم بعدم إمكان صحته .. ذلك أن ما بين موسى ويعقوب (ع) هو أربعة آباء فحسب، فموسى هو ابن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب.
وقد كان مقامهم بمصر منذ دخل يعقوب إليها هو وأولاده إلى أن خرجوا منها مع موسى (ع) إلى التيه في شبه جزيرة سيناء، كان مقامهم في مصر مائتين وعشرين سنة فإذا كان عددهم حينما دخلوا مصر سبعين نفساً ـ كما ذكرت الروايات المختلفة ـ فمن المستحيل أن يتشعب هذا النسل في أربعة أجيال إلى مثل هذا العدد الضخم أي يزيد عدده إلى ما يساويه عشرة آلاف مرة .. من المستحيل أن يكون ذلك بحسب القوانين التي يسير عليها التزايد في النوع الإنساني هذه هي نظرية التطابق التي نادى بها ابن خلدون في تدوين التاريخ وقانون المطابقه هذا هو الذي يستند عليه ابن خلدون في نفي ما يروى عن معاقرة هارون الرشيد الخليفه العباسي الخمر وانما كان يشرب منقوع التمر على مذهب اهل العراق آنذاك الم يكن يعلم ابن خلدون ان تخمير منقوع التمر وحفظه في اواني فخاريه ضمن ظروف حراريه لايام او اسابيع او اشهر يصبح في النهايه خمرا مسكرا يذهب بالعقلفالتمر مثله مثل العنب وبقية الثمار الاخرى التي عرفها الانسان منذ القدم والتي ما زالت تدخل في صناعة اجود انواع الخمورفكيف يبيح للخليفه شرب الخمر على انه منقوع التمر؟

التعصب لال البيت
      منهج ابن خلدون يقوده ايضا الى التعصب لال البيت والمدافعه عنهم بشكل عام حيث يقول: ان الله بنص القرآن اذهب الرجس عن اهل البيت فهم في نظره معصومون عن الخطاء بعيدين عن المعاصي فهذا ايضا لا يمت بصله لنواميس الطبيعه والتاريخ فليس كل آل البيت من كانت لهم المنزله والمكانه التي نص عليها القرآن من العصمه مثلهم مثل الانياء عليهم السلام فيعلن ابن خلدون آخر الامر سبب دفاعه عنهم وغرضه من عصمتهم حيث يقول: انه اطنب في هذا الرد والمدافعه والمجادله عن آل البيت في الدنيا رجاء ان يجادلوا عنه يوم القيامه0فهذه مجادله بمجادله ابعادها دنيويه سماويه فهذه المجادله ليست من التاريخ ومنهجيته في شيء وانما هي مصلحة بمصلحه او خدمه مقابل خدمه.
 
ولكنه لم يلتزم فى معظم الاحيان بمنهجه فى النقد
      ثم يورد بعد ذلك اسطورة اتصال نسب السلطان المملوكي برقوق1382_1399م بقبيلة غسان العربيه في بلاد الشام اثر مصاهره تمت بين قبيلة غسان وقبيله شركسيه هاجرت الى بلاد الشام من بلاد القفجاق فصارت القبيلتان مع الزمن قبيله واحده فما الذي دفع ابن خلدون الى هذه المغالطه التاريخيه وان يصنع للسلطان المملوكي شجرة نسب عربيه ليرفعه هذا المقام وهو يعرف كما يعرف الجميع ان المماليك جلبان من بلاد الروس وما جاورها جمعهم السلاطين الايوبيين وهم صغار السن ودربوهم على الحياه العسكريه والولاء للسلطان فقط ليسطع نجمهم بعد ذلك ويستلمو الحكم في مصر والشام بعد موت اخر السلاطين الايوبيين نجم الدين ايوب لتتزوج ارملته شجرة الدر من قائدهم والمقدم عليهم عز الدين ايبك لينتهي الامر بقتلها واستلام المماليك الحكم بعد ذلك دون ان يعرف لاحدهم نسبا.
     وقد عاش ابن خلدون فترة من حياته في مصر تحت رعاية هذا السلطان الذي اثبت نسبه بقبيلة غسان وتقلد في حكومته مناصب اداريه منها قاضي في الديار المصريه وان افتى ضده مكرها حسب ما يذكر في تاريخه عندما خلع عن العرش وابن خلدون لا يذكر المجاعه او القحط الذي اصاب الديار المصريه في عهد هذا السلطان مع انه كان شاهد عيان ومعايش للواقع علما ان معظم المؤرخين قد ذكروا هذه المجاعه والحاله التي وصلت فيها مصر ايام هذا اللملوك وغيره من المماليك عندما دب بينهم النزاع والتخاصم على الحكم والامتيازات
     ولا شك ان اتصال ابن خلدون باصحاب النفوذ والحكم والانتفاع من عطاياهم جره الى الوقوع في تلك الاخطاء والاهواء التي حذر هو نفسه منها ففي هذا دلالة كافيه على ان ابن خلدون مهما كانت المنهجيه التي دعى اليها فهو لم يستطع على مستوى التطبيق ان يتخلص من الاهواء السياسيه والنفعيه ولنعود الان الى العصر العباسي_عصر الخليفه هارون الرشيد حين نكب البرامكه شر نكبه بعد ان كانوا ركيزه اساسيه من ركائز الحكم العباسي ومنارة من منارات العلم والادب فلما حصلت محنتهم على يد الرشيد خاض المؤرخين وزادو في بيان الاسباب والتي هي معروفة لدارسي التاريخ او المثقفين المهتمين بالتاريخ الاسلامي اما ابن خلدون فقد اراد ان ينفي التهمة عن العباسه اخت الرشيد على انها كانت سبب نكبتهم لعلاقتها الغراميه اللآثمه مع جعفر بن يحي البرمكي وزير الرشيد حيث يقول: هيهات ذلك من منصب العباسه في دينها وابويها وجلالها كيف تلحم نسبها بجعفر بن يحي وتدنس شرفها العربي بمولى من موالي العجم فهل هذا الدفاع الانشائي العاطفي هو ما يبريء العباسه من التهمه سواء كانت مذنبه ام بريئه؟ ثم يقول ابن خلدون مدافعا عن الرشيد ومبعدا عنه اي تهمه او تقصير في الناحيه الدينيه والحرص والاحترام للشعائر والطقوس الدينيه واقامة شرع الله في الارض حيث يقول ابن خلدون:حكى الطبري وغيره انه كان يصلي في كل يوم مائة ركعه نافله وكان يغزو عاما ويحج عاما ولقد زجر ابن مريم مضحكه في سمره حين تعرض له بمثل ذلك في الصلاه لما سمعه يقراء: ومالي لا اعبد الذي فطرني ليرد عليه ابن مريم والله ما ادري لم فما تمالك الرشيد ان ضحك ثم التفت اليه مغضبا وقال:يا ابن ابي مريم في الصلاه ايضا اياك اياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدها.
      فهل هذه الحجه له ام عليه يا ابن خلدون؟ فكيف لخليفة مسلمين ان يصلي وحاشيته تسمر عنده وتتفكه ويدفعها السفه والتقليل من هيبة الخليفه والاستخفاف بالدين للحد الذي يجعل مضحك الرشيد يرد على خليفته بالصلاه ولماذا لم يعاقبه الرشيد بعد ان افسد عليه صلاته ام تراه كان مكثرا من شرب منقوع التمر الذي اباحه اهل العراق وذكره ابن خلدون دون ان يعلق عليه.
      في اعتقادي ان ابن خلدون رغم ما قدمه من خدمات اذ قدم نظريات كثيرة جديدة في علمي الاجتماع والتاريخ ، بشكل خاص في كتابيه : العبر والمقدمة . وقد عمل في التدريس في بلاد المغرب ، بجامع القرويين في فاس ، ثم في الجامع الازهر في القاهرة ، والمدرسة الظاهرية، وغيرها من محافل المعرفة التي اكثرت في ارجاء العالم الاسلامي المختلفة خلال القرن الثالث عشر نظراً لحض الدين الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء اكثر من مرة ، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الاحكام التي اصدرها الا انه لم يكن موفقا دائما بأتباع منهجية التاريخ والعمل على قانون المطابقه الذي ابتدعه في كتابته للتاريخ.
- الواقعية والمثالية في التاريخ عند خلدون :
إن من الصعب تصنيف ابن خلدون – منهجياً- ضمن خانة فكرية معينة داخل المدارس الفلسفية السائدة؛ فهو عقلاني، وهو مثالي، وهو واقعي، وهو كل هذه الأوصاف وهذا ما أربك الباحثين، وضاعف من صعوبات مهمتهم في الحكم عليه.
صحيح أن القراءة الدقيقة والعميقة لفكر ابن خلدون تستوعب في جوانب منها بعض هذه الأوصاف وتقدم الدليل على اتصافه بها، لكن تزيد من صعوبة التصنيف وتعقد أكثر مهمة الباحثين.
ومثل هذا الهاجس يشاركنا فيه العديد من النقاد والباحثين .. وعلى سبيل المثال فإنك تجد أحد الخلدونيين البارزين وهو المفكر اللبناني نصيف نصار، يخصص دراسة قيمة لمنهج ابن خلدون، تحت عنوان الفكر الواقعي عند ابن خلدون. في حين تذهب باحثة أخرى هي منى أحمد أبو زيد التي تجعل من ابن خلدون متكلما، وتصف فكره بالفكر الكلامي.
أما حس الساعات فيضفي على منهج ابن خلدون طابع العلمية في دراسة المنهج العلمي في مقدمة ابن خلدون، وهو لذلك يعمد إلى حشد مجموعة من الأوصاف يضفيها على المنهج الخلدوني كالتزود العلمي، ومعرفة طبائع العمران، والتشكك والموضوعية، والحيطة عند التعميم، وهي كلها مميزات تقود إلى الواقعية الفكرية كما ذهب إلى ذلك نصيف نصار، على أن هؤلاء الباحثين لا ينطلقون من فراغ في أحكامهم، وخير من يقدم لهم الدليل على ذلك هو ابن خلدون.
فالواقعية أو المثالية في التاريخ التي ينشدها ابن خلدون في منهجه هي التي جعلته يضع للمشتغل بهذا المجال ضوابط منهجية أشبه ما تكون بتلك التي وضعها علماء الحديث في عنايتهم بتمحيص الحديث.. ويخلص في ذلك إلى هذه القاعدة المثالية الواقعية في نفس الوقت فيقول بأن من ضوابط المؤرخ "العقل والضبط والإسلام، والعدالة ليكون معتمدا".
هكذا إذن يكون ابن خلدون قد مزج في منهجه التاريخي بين القراءة الفلسفية والقراءة الاجتماعية، لأن التاريخ في تصوره "لا يتصف بالجمود والثبات بل هو عملية نامية متطورة، مليئة بالحركة".
إن هذه الاستنتاجات أو المقدمات المنهجية هي التي تطبع تعامل الباحثين مع المنهج الخلدوني، وإن الدارس ليحار في وجود أدلة منطقية لكل حكم أو رؤية يستنتجها كل باحث حتى خارج الواقعية المجتمعية العربية الإسلامية..
فهذا ارنولد نيكلسن يصف منهج ابن خلدون فيقدمه في هذه الحلّة : "لم يسبقه أحد إلى اكتشاف الأسباب الخفية للوقائع أو إلى عرض الأسباب الخلقية والروحية التي تكمن خلف سطع الوقائع أو إلى اكتشاف قوانين التقدم والتدهور".
يبرز لنا من خلال هذا كله، ابن خلدون فقيها في تحليل الوقائع الاجتماعية، ومتخصصا في استنباط الأسباب الظاهرة والخفية للمجتمعات ولاسيما المجتمع العربي الإسلامي.
كيف استطاع مفكرنا صياغة منهج فلسفي خاص به، وهو العالم المتضلع في الكتاب والسنة والفقه ؟
لقد استطاع ذلك من خلال التخلص من الأحكام المسبقة، ما نحا عقله حرية البحث دون ضغط في الانتماء، أو مبالغة في الإقتداء.
وكما فعل ابن خلدون بالمنهج التاريخي نجده يقوم بنفس التحليل الواقعي للفكر السياسي ممثلا في السلطة، وهنا نجده يقسم السلطة السياسية إلى قسمين : سلطة ملك سياسي عقلي وضعي.  سلطة خلافة سماوية شرعية.
وكيف يمكنه إعطاء حكم تفضيلي بين السلطتين ؟
إنه يحسم بما لا يدع مجالا للشك في أن أفضل نموذج للسلطة المعقولة، هي سلطة الملك السياسي العقلي الوضعي، كما جسده الفرس أيام دولتهم، حيث اعتمدوا آراء فلاسفتهم وعظماء زمانهم، تشريعاً لسياسة دولتهم دون وحي إلهي، لما في ذلك من إمكانية إقامة العدل، وإنصاف المظلوم، وإغاثة اللهفان وإشاعة الرخاء.
      إن هذا جانب من الواقعية في غياب التشريع الإلهي خارج المجتمع العربي الإسلامي، لكن ابن خلدون وبنفس الواقعية المجتمعية، ينقد هذه السلطة السياسية الوضعية العقلية، فيعيب عليها عدم اهتمامها بمعقولية أخرى هي معقولية الاهتمام بالحياة الأخرى.
      فإذا عاد ابن خلدون إلى النوع الثاني من السلطة المعقولة وهي الخلافة هذه السلطة التي تتعادل فيها كفتا الدين والدنيا، فإن ابن خلدون ما يلبث أن يعلي من قيمة هذه السلطة القائمة على الشرع لأنه هو الذي وحد العرب وقد كانوا أشتاتا، وجمع كلمتهم وقد كانوا أضدادا، فهو إذن العامل الذي يقوي الدولة متى خالطها.
ويعزز ابن خلدون حكمه بهذا النص "إن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصيغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة.
وفي واقعية ابن خلدون أيضا نموذج آخر للاستنباط، يتمثل في طريقة الربط بين العصبية بمفهومها الخلدوني والحزب بمفهومه السياسي الحديث.
وبالرغم من البون الشاسع بين المفهومين زمانا ومكانا، إلا أن بعض الباحثين قد عمدوا إلى إيجاد الصلة الوثيقة بين العصبية والحزب لما بينهما من تكامل.
إن رباط العصبية متين بفعل علاقة القرابة التي تجمع أفراد العصبة الواحدة، ومن ينضم إليهم بولاء أو حلف.. و رباط الحزب قوي بحكم الاعتقاد المشترك، وما ينشأ من تحالف بين العقائد المتقاربة وبهذا يكون الحزب السياسي والذي هو ذلك التنظيم المحكم والمتماسك، عصبية عقيدية تدافع وتطالب، وتحمي وتخذل، وتطمح للسيادة وتقهر من هم دونها، وتنضوي تحت لواء من هم أقوى منها.
إن التحليل لهذه الظاهرة السياسية تدفع بنا إلى استنتاج هام مفاده أن الحزب دون عصبية لا يكون، والعصبية دون حزب مجرد سلوك شعُوري فسرعان ما ينقضي إن وجد الشعور الأقوى.
من خلال هذه الاستنتاجات تتجلى لنا واقعية ابن خلدون.. ويبقى السؤال الملح وهو من أين أخذ ابن خلدون واقعيته هذه؟ هل هي منهجية واقعية نسجت خيوطها من فلسفة أرسطو و على حد تعبير عبد الله العروي : هل كان ابن خلدون في فلسفته للتاريخ واقعياً أرسطي المنهج في حين كان غيره مثالياً أفلاطونياً، وهو ما يؤهله لمسايرة الاتجاه المعاصر؟ هذا إلى جانب واقعية التشخيص والتحليل لواقع الأمة بالذات.
ففي وصفه للعلاقة بين فآت المجتمع  العربي الإسلامي بتشكيلته البدوية والحضرية، ينتهي إلى ربط محكم بين الفكرة و..العمل فيقول ابن خلدون : إن البدو من القبائل والعصائب مغلوبون لأهل الأمصار، ولعل هذا ما نعيشه اليوم من زحف البادية على المدينة، وهو أمر بات مسلما به من لدن كل فقهاء علم الاجتماع.. غير أن ابن خلدون يدلل على حكمه بالحجة، "وهي أن حاجتهم (أي البدو) إلى الأمصار في الضروري، وحاجة أهل الأمصار إليهم في الحاجي والكمالي".
من هذا التشخيص ينتهي ابن خلدون إلى نتيجة هامة في الفكر الإنساني وهي "أن أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة آخر العمل".
وما يمكن الانتهاء إليه في واقعية المنهج الخلدوني هي أن فكر ابن خلدون معاد لكل نوع من أنواع النظر المجرد الخالص، وتلك هي الواقعية الفكرية كما انتهى إليها نصيف نصار، وغيره.
     ونحن هنا أمام خلاف بين نظرتين هما نظرة عبد الله العروي المغربي، ونظرة نصيف نصار المشرقي، فالأول يضع علامات استفهام على هذه الواقعية في حين نجد الثاني يدلل على واقعية المنهج الخلدوني بقوله : "إن القيمة الأولى في الحقيقة هي للأشياء والواقعات، لا للأفكار، وأن العقل يحتفظ ولا شك بمكانة مرموقة، ولكنها مكانة نسبية ومحدودة، وهو ما يشكل الواقعية الوضعية والمنهجية.

- التعاقب الدوري عند ابن خلدون.
     يعد ابن خلدون مبتدع نظرية التعاقب الدوري للدول في تاريخ الفكر الإنساني من حيث بعدها الاجتماعي والفلسفي العام، وقد توصل إلى الاقتناع بفكرة التعاقب في الحضارة(الدولة عنده) وقارن في دائرية التغيير بين الإنسان والمجتمع.
    فللمجتمع في نظره عمر يمر به كعمر المرء الذي يولد، ثم يكتمل نموه، ثم يهرم فيموت، وعلى هذا الأساس تمر الدولة بالمراحل التالية بداوة ازدهار تدهور.
     إن الدولة كانت المحور الأساسي الذي تدور حوله أبحاث ابن خلدون ونظرياته، إذ قاسها قياسا تاما على عمر الفرد ومراحل تطوره، وجعل للدولة أعمارا كما للأشخاص، وهي النظرية التي تمثل جوهر فكره في الدورة العضوية للدولة يقول ابن خلدون في المقدمة أن "الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص، ويرى أنها"لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال والجيل هو عمر شخص من العمر الوسط، فيكون أربعين الذي هو انتهاء النمو والنشوء إلى غايته"، قال الله تعالى (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة- سورة الأحقاف، الآية 16.
     كانت المسالة الأساسية التي شغلت ابن خلدون
 هي كيف تنشا الدول؟ وما هي عوامل ازدهارها؟ وما أسباب هرمها؟.
       إن حركة التاريخ عند ابن خلدون هو حركة انتقال مستمرة من البداوة إلي الحضارة على شكل دورة. وهذا الانتقال يتم عبر الدولة على خمس مراحل:
  في المرحلة الأولى تنشا الدولة على أنقاض دولة سابقة لها.
 المرحلة الثانية ينفرد صاحب السلطان بالحكم بعد أن يكون قد تخلص ممن اشتركوا معه في تأسيس الدولة (الثورة تقتل أصحابها )،وتتميز هذه الفترة بالبطش والجبروت.
      وفي المرحلة الثالثة تسود الراحة والطمأنينة، وتزدهر الدولة سمى ابن خلدون هذا بطور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك والتمتع بملذات الدنيا، مما تنزع إليه طباع البشر من تخليد الأثر وتحصيل المال والإسراف في الشهوات.
     وفي المرحلة الرابعة تتحول الراحة والطمأنينة إلى قناعة وسكون ومسالمة، ويكون صاحب الدولة في هذا مقتنعا بما حقق سابقوه وما أنجزوه من أعمال.فيتتبع آثارهم حذو النعل بالنعل.
وتأتي المرحلة الخامسة تتمة للمرحلة السابقة ونتيجة لها، حيث تفقد الدولة هيبتها فتتحلل وتزول. طور الإسراف والتبذير، ويكون صاحب الدولة مخربا لما كان سلفه يؤسسون، وهادما لما كانوا يبنون، وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعية الهرم، ويستولي عليها المرض المزمن الذي لا تكاد تتخلص منه.
      فإذا كانت الدولة تمر بأطوار خمسة، فإنها لا تعدو ثلاثة أجيال، جيل البداوة وجيل الحضارة وجيل الترف الذي تسقط في عهده الدولة.
       الجيل الأول وهو جيل البداوة: يتميز السكان فيه بخشونة وشظف العيش والبسالة والافتراس والتماسك والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك صورة العصبية محفوظة فيهم، والبدو هم المقتصرون على الضروري من العيش في أحوالهم العاجزون عما فوقه، ولكن البدو سرعان ما يتطورون إذ يتحول حالهم من البداوة إلى الحضارة والعمران بفعل الملك مع الجيل الثاني، والحضارة إنما هي تفنن في الترف والملذات وأحكام الصنائع المستعملة، وبناء القصور والاستمتاع بأحوال الدنيا، وإيثار الراحة على المتاعب، ولذلك يقول ابن خلدون "إن من طبيعة الملك الدعة والسكون والترف الذي هو غاية الحضارة، وهو يزيد الدولة في بدايتها قوة، إذ تتباهى المجتمعات المتحضرة به ولكنه أيضا هو العلة الأساسية لبداية الانحلال في الدولة، وهو المؤذن بخراب العمران.
      فالحضارة تفسد طباع البداوة، إذ يتجه أصحاب الدولة إلى الإسراف في التنعم، ويزهدون في العمل ويركنون إلى الدعة والسكون، ويخلدون إلى الراحة والشراب، ويكثرون من النساء ومعاقرة الخمر، فتزول هيبة السلطة من النفوس وتكثر القلاقل والفتن، وتظهر المعارضة ويتقوى الأعداء فيفلت زمام الأمور، وتبدأ الدولة في السقوط فتظهر جماعة أخرى من البدو تسعى إلى الملك والريادة فتحل محلهم.
      فالترف مظهر الحضارة، وهو هادمها أيضا وهو غاية العمران ولكنه مؤذن بنهايته أيضا، فالحضارة غاية العمران ونهاية لعمره، وإنها مؤذنة بفساده.
       وتتجلى آثار الحضارة المفسدة للعمران في حياة البذخ والترف، إذ سرعان ما ينسى سكان الجيل الثالث عهد الخشونة والبداوة فيفقدون بذلك حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ فيهم الترف غايته، فتفسد أخلاقهم وطباعهم، فينقلب التناصر إلى تنافر، والتعاضد إلى تخاذل، والكفاح المشترك من اجل المصلحة المشتركة، إلى نزاع وصراع من اجل مكاسب شخصية ومصالح خاصة، فيظهر الظلم إلى جانب الترف، وهما مظهران من مظاهر خراب العمران وسقوط الدولة، والى ذلك يشير قوله تعالى في سورة الاسراء الآية 16 (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول فدمرناها تدميرا.).
        خلاصة القول أن الحضارة عند ابن خلدون طور طبيعي  فالتمدن غاية البداوة ولكن البدو عندما يتطورون في أساليب العيش ويتقدمون في الصنائع فإنهم ينتهون إلى الفناء، لان الحضارة تحمل في طياتها بذور الفساد، فتهرم الدولة وتسقط، والهرم عند ابن خلدون مسالة طبيعية في الدولة إذ يقول "وهو من الأمراض المزمنة التي لا يمكن دواءها ولا ارتفاعها لما انه طبيعي والأمور الطبيعية لا تتبدل".
وهكذا تفسح الدولة المنهارة المجال لقيام دولة جديدة تمر بنفس الأطوار والمراحل.
- خصائص المنهج الخلدوني :
      إذا كان المنهج الخلدوني هو علامة الإبداع العقلي عند ابن خلدون، ومجال أسطوريته، على العكس مما ذهب إليه صاحب كتاب نهاية أسطورة ، فإن هذا المنهج له خصائصه الفكرية التي تجسد نوع الإبداع الذي اتسم به.
      فإن من مميزات المنهج الخلدوني نحته لمصطلحات تكاد تكون موقوفة على منهجه من ذلك مصطلح فن المطابقة بين العلل والأسباب الذي هو علم العمران البشري.. وهذا العلم الذي هو محك الصدق في الرواية التاريخية أو بعبارة أدق هو الصورة الأمينة لصدق ودقة التقارب بين الخبر والواقعة المنقول عنها.
      ويمضي ابن خلدون في تحديده خصائص منهجه من خلال علم العمران، فيحدد لنا البواعث الحقيقية للاجتماع البشري بمقولته  المعروفة : "الإنسان مدني بالطبع" فيقول: من هذه البواعث :  القوت والغداء  ، الدفاع أو الحاجة إلى الدفاعوإذن فلابد من المدينة للإنسان، ولابد من العمران، وقد جعل الله للحيوانات وسائل للغذاء ووسائل للدفاع.
      ومن الخصائص التي تطبع المنهج الخلدوني أيضاً، تعميق المفاهيم وعقلنتها.
      فالعصبية التي هي الطابع المميز للفكر الخلدوني، يعطيها ابن خلدون ميزة خلدونية خاصة به، وتتمثل في تقسيم العصبية إلى عصبية معقولة وعصبية غير معقولة، لكن ابن خلدون اضطرب عندما عمد إلى تقديم الأمثلة عن النوعين من العصبية.
      فقد نتفق معه عندما يقول بأن العصبية المعقولة هي التي تتحد بالغاية التي تهدف إليها، لكن المثال المقدم لتوضيح هذا النوع من العصبية لا يحظى بالقبول لأنه لا يستند إلى دليل منطقي، فعندما يقدم لنا ابن خلدون العصبية الأموية في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، واصفا عصبية الأمويين، بأنها تلك التي قاومت عصبية بني هاشم وانتصرت عليها، محققة لبني أمية ما لم يحققوه في الجاهلية. إن هذا النوع من العصبية لا يبدو لنا معقولا، وخصوصا وقد مثل مقدمة خاطئة تمثلت في وصاية معاوية بالخلافة لابنه يزيد.. ولكن ابن خلدون يضفي على هذه الوصاية طابع العصبية المعقولة، التي تمثل كما يذهب إلى ذلك ابن خلدون، العقلانية السياسية.
"أما غير المعقول من العصبية (وهو ما نوافقه عليه) فهو عصبية الجاهلية، والنعرة على ذوي القربى على حقهم وعلى باطلهم، والثورة لهم لكل ما يلحقهم من سوء أو مكروه، فهم يستنصرون ويتناصرون على الحق، والعدل وعلى الظلم".وبالمقابل نجد أن الدولة تقوم –إضافة إلى العصبية بشطريها- على الوازع، هذا المصطلح الديني الفلسفي عند ابن خلدون والذي يعتبره السلطة الخفية الحافزة للسلوك والضابطة له، وهو النتيجة الطبيعية للاجتماع الإنساني. ويدلل ابن خلدون على ذلك بأن "من أخلاق البشر، فيهم الظلم والعدوان إلى أخذه إلى أن يصده وازع.
ومن خصائص المنهج الخلدوني التأكيد على تشابك التاريخ بالثقافة والمجتمع.. ويفصل ذلك بالإلحاح على علاقة كل مسلك لمستوى المجتمع (بدوي – مدني-بدائي-متطور) بالهيئة الاجتماعية (أمراء – علماء – صناع – خاصة – عامة).
      من هنا تبرز خصوصية المنهج الخلدوني الاجتماعي خصوصا في ربطه بما يمكن وصفه بالحداثة والأصالة.
إن النماذج الحداثية التي سقناها، والتي التقى فيها منهج ابن خلدون، بأحدث النظريات الفلسفية والأيديولوجية، ما كانت لتخفي جانب الأصالة في منهجه..  فقد جاء تصوره لفلسفة العمران الاجتماعية من منظور فلسفي يحدد البعد الإسلامي قواعده وخاصة ما يسميه ابن خلدون بفكرة الاستخلاف

الغرب وابن خلدون

       كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم. ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.
       كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين (1196 - 1464)، غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود (1236 - 1556تونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين (1228 - 1574). التصارع بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر.وكان المشرق العربي في أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور.










قائمة المصادر والمراجع

1-  عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دار الهيثم، القاهرة، ط1، 2005.
2-  محمد الطائي ، منهجية ابن خلدون التاريخيه  ،دار الحداثه ، ط1 ، 1981
3-  د/ محمود اسماعيل : نهاية اسطورة نظريات ابن خلدون مقتبسة من رسائل إخوان الصفا، المنصورة، عامة للطباعة والنشر 1996
4-  يوسف زرافة : المعقول واللامعقول في الفكر الخلدوني، رسالة دكتوراه قدمت بجامعة الجزائر 2005
5-  نصيف نصار، الفكر الواقعي عند ابن خلدون، تفسير تحليلي وجدلي لفكر ابن خلدون في بنيته ومعناه، بيروت دار الطليعة ط3، 1994.
6-  د/منى أحمد أبو زيد؛ الفكر الكلامي عند ابن خلدون بيروت – المؤسسة الجامعية للدراسات 1997.
7-  أعمال مهرجان ابن خلدون، القاهرة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والحداثية 1962.
8-  عبد الله فياض : التاريخ فكرا ومنهجاً، بغداد، جامعة بغداد 1972 .
9-  عبد الله العدوي : مفهوم العقل بيروت ، المركز الثقافي العربي ط3 2001 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق